1930
1945
بدايات متواضعة
رحلة بدأت بالكدح والتعب لكن مع الكثير من الطموح
ولد عبد الله الغرير لعائلة تمتهن تجارة اللؤلؤ في وقت لم تكن دبي قد تحولت بعد إلى مركز تجاري مرموق على شواطئ الخليج العربي، ما جعله يدرك منذ نعومة أظفاره أهمية العمل الجاد، واكتسب حنكة تجارية كان لها عظيم الأثر في تشكيل مساعيه الخيرية في المستقبل.
"لا بد أن ينخرط المرء في العمل الخيري منذ الصغر وعلى مستويات بسيطة."
معالي عبد العزيز الغرير
من الصعب أن يدرك المرء كيف تحولت دبي من بلدة صيد متواضعة لا يزيد عدد سكانها عن 20,000 نسمة في عشرينيات القرن الماضي إلى المدينة المزدهرة والمرصعة بناطحات السحاب التي نعرفها اليوم. فقد أصبحت الإمارة مركزاً اقتصادياً عالمياً يحتضن أكثر المطارات ازدحاماً في العالم وبات يعيش فوق ثراها اليوم ما يزيد عن ثلاثة ملايين نسمة. وكما يبدو واضحاً أن التعرّف على دبي الحديثة يعتبر أمراً صعباً على من ولد في عشرينات القرن الماضي، من الجلي أيضاً أن النجاح الذي حققته الإمارة عبر تاريخها متأصل في الذكاء والمثابرة اللذين اتصف بهما مؤسسوها، لا سيما عائلة الغرير.
كانت البداية في القرن الثامن عشر عندما انجذب المستوطنون إلى خور دبي، حيث ساهمت هذه الأميال التسعة من المياه المالحة في تكوين ميناء طبيعي وفّر للتجار متنفساً بعيداً عن الظروف الصحراوية القاسية التي تحيط بهم، وشكّل وسيلة لتوصيل البضائع إلى الأسواق. ولم يمض وقت طويل حتى تحولت دبي إلى ميناء تعج به الحركة وبدأت تخطو نحو مكانتها الجديدة التي تحتفظ بها إلى اليوم كمركز تجاري ريادي في المنطقة.
اكتسبت تجارة اللؤلؤ بريقاً خاصاً في اقتصاد دبي الناشئ. ومع افتتاح طرق التجارة، بدأ استخراج هذه الأحجار الكريمة من أعماق البحار وبيعها في أسواق بعيدة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتحوّل الصيادون المحليون إلى غواصين محترفين والمشرفون عليهم إلى تجار أثرياء وجذبت هذه الصناعة أشهر صائغي المجوهرات الأوروبيين، لا سيما الفرنسي جاك كارتييه.
عاش الراحل أحمد الغرير وعائلته بالقرب من شواطئ خور دبي في قرية تدعى ديرة. وكان أحمد يمتلك أسطولاً من قوارب صيد اللؤلؤ التي يستقلها الغواصون – والمشابك على أنوفهم وآذانهم مسدودة بالشمع - للغطس في أعماق الخليج وجمع الأحجار الكريمة لبيعها للتجار والأسر المالكة في جميع أنحاء المعمورة.
لقد كان صيد اللؤلؤ وبيعه عملاً تجارياً مربحاً وكانت أسرة الغرير ثرية نسبياً مقارنة بالكثير من الأسر التي كانت تعيش في القرية آنذاك. مع ذلك، اختارت الأسرة البساطة عنواناً لحياتها في ظل توفر القليل من سُبل الراحة العصرية. ففي فصل الشتاء كانت تقطن في كوخ طيني بسيط وتسكن الخيام خلال فصول الصيف الشديدة الحرارة. ومن دون كهرباء، لم تكن الإنارة متوفرة، وكذلك المكيفات التي تخفف من قيظ الصيف. فضلاً عن ذلك، لم تكن المياه صالحة للشرب إلا بعد تصفيتها بوساطة شبكة لإزالة الحشرات والأوساخ.
كان أحمد يقضي شهوراً عديدة في البحر لنقل لآلئه إلى الأسواق المتعطشة لها في آسيا، تاركاً زوجته مريم سيف وأطفاله التسعة في المنزل وحدهم. ولد عبد الله عام 1930 وكان ترتيبه الرابع بين الأبناء. ويتذكر عبد الله كيف كانت والدته تحمل سلاحاً لحماية أسرتها أثناء غياب والده وكيف كان شقيقه الأكبر، سيف، الذي كان مراهقاً حينها، يبحر لفترات طويلة قد تصل إلى أربعة أشهر متواصلة، يقتات خلالها على الأسماك والأرز والبلح فقط. ولم يمض وقت طويل حتى جاء دور عبد الله لينخرط هو أيضاً في العمل. ومع بلوغه سن السادسة، أصبح عبد لله يدرك جيداً أن النجاح في الحياة لن يتحقق من دون العمل الجاد والرغبة الحقيقية في التعلم.
"لم يحظ بتعليم رسمي لكنه تعلّم كيف يدير الأعمال التجارية بالطريقة التقليدية، وكانت تلك القيم والمبادئ الراسخة مرافقة له على الدوام."
موظف سابق
البحث عن الكنز
منذ مئات السنين كانت أجود أنواع اللآلئ في العالم تستخرج من مياه الخليج العربي، وقد جعلت صناعة اللؤلؤ مدناً مثل دبي تكتسب شهرة واسعة. هذه المجموعة المميزة من الصور لصيادي اللؤلؤ التقطتها عدسة المصور الإيطالي إيلو ألكسندر باتيجيللي بين عامي 1946 و1954. الصور: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.
كان صيد اللؤلؤ مهنة خطرة تتطلب من الغواصين وضع ملقط مصنوع من الخشب أو صدف السلاحف على أنوفهم وتعليق كيس شبكي حول أعناقهم من أجل جمع أصداف المحار. الصورة: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.
كان الرجال يغوصون إلى عمق 18 متراً أو أكثر لما يزيد عن 30 مرة في اليوم ويقومون بالصيد في قاع البحر لمدة دقيقة كاملة قبل أن يتم سحبهم إلى السطح بواسطة الحبال. الصورة: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.
كانت عائلة الغرير تدير أسطولاً من قوارب صيد اللؤلؤ الذي شكّل تجارة مربحة جداً إلى أن ظهر اللؤلؤ المستزرع بكميات كبيرة في خمسينيات القرن الماضي في اليابان. الصورة: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.
كان الموسم الرئيسي لصيد اللؤلؤ في دولة الإمارات العربية المتحدة يسمى "الغوص الكبير" ويمتد بين أوائل يونيو وأواخر سبتمبر، أي عندما يكون الطقس صافياً والبحر هادئاً بشكل عام، ما يوفر ظروفاً مثالية للغوص على الرغم من قيظ الصيف. الصورة: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.
بمجرد أن تصل الأصداف إلى الشاطئ يتم فتحها وفحصها وعدها من قبل قبطان قارب صيد اللؤلؤ. الصورة: إيلو ألكسندر باتيجيللي/ متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.