English
نبذة +

1950

1960

اتجاهات جديدة

الظروف الصعبة تتطلب تغييراً ذا بصيرة

تسبب انهيار صناعة اللؤلؤ بمصاعب ومشقات لدبي، إلا أن هذه المعاناة جلبت معها الابتكار أيضاً. وقد لعبت عائلة الغرير دوراً رائداً في النقلة التي شهدتها دبي من مدينة لغواصي اللآلئ ومصدريها إلى مركز تجاري مرموق في المنطقة. لكن الأوقات الاقتصادية الصعبة تركت بصمة واضحة في حياة الشاب عبد الله، وكذلك التحوّل الذي تبنته عائلته بحثاً عن فرص جديدة، ما غرس في نفسه الإصرار والعزيمة.

"عندما انهارت تجارة اللؤلؤ، تكيفت عائلة الغرير مع الواقع الجديد بسرعة فائقة."

موظف سابق

ما أن بلغ الشاب عبد الله الغرير سناً يستطيع فيها الصعود على متن قوارب والده الشراعية كان المشهد الاقتصادي في دبي قد تغيّر بالكامل. ولم يقتصر ذلك على اختناق التجارة العالمية الناجم عن فترة الكساد الكبير التي تسببت في انخفاض كبير في عدد الزوار إلى ديرة بعد أن كانت سوقاً مزدحمة في ذلك الوقت، بل قضى المحار المستزرع في اليابان أيضاً على صناعة اللؤلؤ الحيوية في دبي.

 وبين عشية وضحاها تقريباً، تم انتزاع القلب النابض لاقتصاد دبي من صدرها وزراعته في الشرق. ومع انتشار الفقر في المنطقة، أصبح صمود سكان الإمارة وحُسن تدبيرهم على المحك. أما بالنسبة لعائلة الغرير، لا سيما الشاب عبد الله، فقد حان الوقت للارتقاء إلى مستوى التحدي.

استكتشف طرق التجارة في دبي

من دبي إلى العالم

احتل الخليج العربي موقعاً استراتيجياً على تقاطع طرق التجارة بين الشرق والغرب، وكان مركزاً تجارياً لآلاف السنين. وما الشاي والمنسوجات واللؤلؤ والتوابل إلا بعض الأمثلة على البضائع التي يتم إدخالها وإخراجها عبر موانئ المنطقة ونقلها إلى الأسواق البعيدة.

ظل اللؤلؤ من الصادرات الرئيسية في دبي وبقية دول الخليج حتى أوائل القرن العشرين، وكان يُشحن في الغالب شرقاً إلى الهند والصين وكذلك إلى أوروبا الغربية. غير أن تطوير إنتاج اللؤلؤ المستزرع في اليابان في خمسينيات القرن الماضي أدى إلى القضاء على هذه الصادرات الخليجية التي كانت تدر عوائد كبيرة.

مع تراجع صناعة اللؤلؤ، كشف أحمد عن براعته في البحث عن حلول للتغلب على هذه التحديات، فكيّف أسطوله من المراكب الشراعية للسفر لمسافات أطول ونقل المزيد من البضائع. وسرعان ما انضم عبد الله إلى والده على متن هذه القوارب التي لم تعد تحمل اللؤلؤ بل أصبحت تنقل التمور إلى العراق والهند ودول مختلفة في أفريقيا وتعود بالمنسوجات والتوابل وخشب الساج من أجل الاتجار بها.

وعلى الرغم من أن عبد الله لم يتلق سوى بضع سنوات من التعليم الأساسي، إلا أنه أثبت أنه طالب علم مجتهد وسريع البديهة. ومستمداً الإلهام من عائلته التي لطالما اتخذت العمل الجاد والدؤوب عنواناً لها، بدأ عبد الله باقتناص الفرص التجارية من تلقاء نفسه. فبدأ أولاً بشراء الأسماك بكميات كبيرة من قرية جميرا المجاورة وبيعها لطواقم السفن التجارية الراسية في خور دبي. وبعدما أثبتت هذه الفكرة نجاحها، وجد عبد الله أن لا داعي للانتظار حتى يصل زبائنه إليه فبدأ بنقل السردين إلى السفن المبحرة في مضيق هرمز بالقرب من عُمان.

في أواخر الأربعينيات كان خور دبي بمثابة القلب النابض للمدينة. وكانت الأسواق تمتد على طول الشواطئ والبضائع تُنقل باستمرار من وإلى السفن الكبيرة الراسية في المياه العميقة. الصورة: ويلفريد ثيسيجر، متحف بيت ريفرز، جامعة أكسفورد.

"لقد كان السيد عبد الله شخصاً مميزاً وكان يؤمن بالعمل الجاد والانضباط."

صديق للعائلة

ما أن أصبح عبد الله في السادسة عشرة من عمره حتى جنى ما يكفي من المال من هذه المشاريع لشراء قطعة أرض. وعلى الرغم من شك والده في البداية بما يستطيع تحقيقه، إلا أن عبد الله يقول أنه انبهر بما اقتنى ابنه مقابل 500 روبية - العملة المتداولة في ذلك الوقت والتي كانت تساوي 125 دولاراً – أي ما يعادل 1,600 دولار اليوم. 

وبتشجيع من والده، واصل عبد الله إضافة المزيد من الممتلكات إلى محفظته العقارية. كانت ثروته تتزايد بوتيرة متوافقة مع ازدهار مسقط رأسه، دبي، التي تحوّلت من الغوص بحثاً عن اللؤلؤ إلى التجارة في أقل من جيل وبدأت مساراً جديداً وأكثر إيجابية.