1960
1970
مسارات الازدهار
التنويع يؤدي إلى التوسع والنجاح
ما أن بدأت دبي بالازدهار حتى أخذت عائلاتها أيضاً تخطو نحو النجاح. ولم تكن عائلة الغرير استثناءً من ذلك، فمن خلال استثماراتها الحكيمة وإقدامها على بعض المجازفات المدروسة، حققت العائلة نجاحاً مالياً كبيراً، الأمر الذي شجع عبد الله الغرير على رد الجميل للمجتمعات المحيطة. وكانت هذه البداية لما تحوّل فيما بعد إلى رحلة خيرية طويلة تركت - ولا تزال تترك - أثراً كبيراً في حياة الأجيال القادمة في جميع أنحاء المنطقة.
"لطالما كان والدي حريصاً على القيام بالعمل الخيري بنفسه إذ كان يزور الأسر المحتاجة بيتاً بيتاً ويقدم المساعدة لكل شخص بنفسه."
عبد العزيز الغرير
مع اكتشاف احتياطيات نفطية ضخمة في إمارة أبوظبي المجاورة قبل بضع سنوات، ضاعف حكّام دبي جهود التنقيب عن الذهب الأسود، وفي عام 1966، وجدوا أخيراً ما كانوا يبحثون عنه. تم العثور على حقل نفطي على بعد 60 ميلاً من الساحل أطلق عليه اسم "فتح" إيذاناً بدخول دبي عصر النفط. وفي عام 1969، وصلت الشحنة الأولى من نفط دبي إلى الأسواق العالمية.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي عثرت فيها دبي على كنز تحت مياهها. لكن على عكس تجارة اللؤلؤ التي طُمست معالمها تحت المياه، حققت صناعة النفط ازدهاراً طويل المدى فوق سطح الأرض أيضاً. وكان ذلك الوقت مناسباً بالفعل لريادة الأعمال في المنطقة، وبفضل الثروة النفطية بدأ اقتصاد دبي في التوسع والتنوع.
ومع تزايد أرباح عائلة الغرير من رحلاتها التجارية الطموحة والناجحة إلى الهند وما وراءها، وفي ظل الاهتمام الجديد بالإمارات العربية المتحدة بعد اكتشاف النفط فيها، قررت العائلة توسيع إمبراطوريتها التجارية لتشمل قطاعات البناء والعقارات وإنتاج الأغذية. وأسست شركة قابضة لإدارة مصالحها المختلفة وفوض أحمد الغرير- بعد أن أصبح متقدماً في السن - إدارة أجزاء مختلفة من أعماله التجارية لأبنائه الخمسة: سيف وعبد الله وماجد ومروان وجمعة.
أوكلت إلى عبد الله، الذي لطالما أذهل والده بسبب موهبته الفذة في استكشاف الفرص التجارية، مسؤولية قسم العقارات في المجموعة، وفي عام 1967، أسس عبد الله وأشقاؤه بنك عُمان، الذي أصبح يسمى الآن بنك المشرق، وما يزال واحداً من المؤسسات المالية الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
دبي
في
الستينيات
في عام 1961، وصلت أول شحنة للنفط الخام من إنتاج شركة النفط العربية اليابانية التي كانت تمارس نشاطها في الخفجي، المنطقة المحايدة التي تقع بين المملكة العربية السعودية والكويت، إلى اليابان، وقد أثار هذا الحدث فضولاً كبيراً في الدولة الأسيوية لمعرفة المزيد عن منطقة الخليج. وبعد عام تقريباً، وصل المصور الياباني الشاب يوشيو كاواشيما الذي كان يعمل في صحيفة سانكي شيمبن إلى ما كان يُعرف آنذاك بإمارات الساحل المتصالح من أجل استكشاف هذا المكان. وخلال زيارته القصيرة التي دامت خمسة أيام فقط، التقط كاواشيما، الذي كان يعمل مع الصحفي المعروف هيروشي كاتو، أكثر من 100 صورة لدبي النابضة بالحياة على الرغم من أنها لم تكن قد بدأت بعد مسيرتها في التطور والازدهار.
عبرة تبحر في الخور قرب ميناء بر دبي. ويظهر في الخلفية مسجد علي بن أبي طالب الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
تاجر يدخن الغليون في كشكه لبيع الأدوات والجلود في سوق دبي. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
نساء يحملن البضائع إلى السوق في سلال مصنوعة من سعف النخيل. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
طلاب في فصل دراسي في مدرسة الشعب في الشندغة. وكانت دولة الكويت، التي أصبحت غنية بالنفط في تلك الفترة، توفر جميع المواد التعليمية في مدارس دبي في الستينيات. كما تظهر صورة لحاكم الكويت آنذاك، الشيخ عبد الله سالم الصباح، على غلاف الكراسة التي يحملها الطالب. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
شاحنة صغيرة تنقل الأطفال إلى المدرسة عبر الطرقات الرملية. ولم تكن سوى القليل من الشوارع الرئيسية معبدة في فترة الستينيات وكان لا بد من استخدام سيارات الدفع الرباعي عند التنقل. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
بحلول ستينيات القرن الماضي، كان خور دبي قد بدأ في التطور وسط تشييد مبانٍ جديدة على طول المياه. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
كان التجار يتجمعون في سوق دبي، القلب النابض للمدينة، لممارسة تجارتهم بينما يتجول المعوزون (كالشخصين الظاهرين في الصورة) وهم يحملون صحوناً معلقة حول أعناقهم طلباً للصدقات من الأشخاص الميسورين. © يوشيو كاواشيما، صحيفة سانكي شيمبن. الصورة من كتاب "دبي عام 1962"، كاتبة النص كيمي ماكيشيما أكاي.
لم يلعب عبد الله وأشقاؤه فقط دوراً في مشاريع التطوير البارزة التي احتضنتها دبي، بل كان البنك التابع للعائلة المؤسسة المصرفية التي تقدم الدعم المالي للكثيرين من روّاد الأعمال غيرهم. لكن على الرغم من الحماس الذي اتسمت به هذه الفترة غير المسبوقة من النمو، لم ينس عبد الله المكان الذي ينحدر منه، فبدأ رجل الأعمال بتوزيع الأغذية والمساعدات النقدية والعينية سراً على المجتمعات المحتاجة، مسترشداً بإيمانه الراسخ ومستمداً الإلهام من الحياة التي عاشها في نشأته والمصاعب والمشقات التي أحاطت به في تلك الفترة من حياته.
كما كان عبد الله يحظى بتقدير كبير من قبل التجار الوافدين الذين بدؤوا في الاستقرار في دبي في تلك الفترة. وكان يقدم دعماً خاصاً للمجتمع الهندي المتنامي في دبي في تلك الفترة وفي الكثير من الأحيان ينقل احتياجاته إلى حاكم دبي آنذاك، الشيخ راشد. وقد لعب عبد الله دوراً في حصولهم على قطعة أرض لتشييد مدرسة ونادي ثقافي ما زالا قائمين حتى اليوم.
وقال رجل أعمال هندي، جاء إلى دبي في خمسينيات القرن الماضي من مدينة بومباي آنذاك للعمل في تجارة المنسوجات أنه التقى بعبد الله في عدد من المناسبات. وأشاد رجل الأعمال بسخائه وكرم أخلاقه قائلاً أنه كان دائماً يصغي للناس في مجتمع ديرة ويدعمهم.
وسرعان ما أدرك عبد الله أن هذه التبرعات قدمت المساعدة على المدى القصير فقط ولذلك أقدم في عام 1964 على التبرع لبناء مدرسة في مسافي، القرية الصغيرة في شرق دبي حيث كانت العائلة تملك مصيفاً. وعلى الرغم من أن بناء المدرسة كان بادرة صغيرة في ذلك الوقت، إلا أنها أصبحت منذ ذلك الحين رمزاً لالتزام عائلة الغرير العميق الجذور بالتعليم وتنمية المجتمع.
"أتذكر أننا عندما كنا نزور والدي في المجلس لتناول الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، كان الكثير من الناس يأتون لزيارته وكانت أعماله الخيرية كثيرة وغير معلنة."
عبد العزيز الغرير
تقع قرية مسافي بالقرب من جبال الحجر شرق دولة الإمارات العربية المتحدة، على الحدود بين إماراتي الفجيرة ورأس الخيمة. كما تمتد القرية على شبكة من الينابيع الطبيعية وتتمتع بسبب موقعها المرتفع بدرجات حرارة أكثر برودة خلال صيف الإمارات الحار. وقبل تحديث شبكات الطرق في دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت مسافي تقع بالقرب من إحدى الطرق القليلة التي تربط المناطق الداخلية بالساحل الشرقي لدولة الإمارات العربية المتحدة. ولذلك لعب موقعها الجغرافي، فضلاً عن تمتعها بمناخ لطيف، دوراً في كونهاً مكاناً مشهوراً للزيارة.
شيدت عائلة الغرير منزلاً صيفياً في مسافي وكان أفرادها يزورون هذه القرية الصغيرة بانتظام التي لا يزال عدد سكانها حتى اليوم بضعة آلاف نسمة فقط. ولم يخف على عبد الله عندما كان يقضي وقتاً في مسافي افتقارها للمرافق والخدمات الأساسية لسكانها المحليين، فقام ببناء مدرسة للفتيان والفتيات في المنطقة. وأصبحت هذه المدرسة باكورة العمل الخيري الذي يقوم به عبد الله ليتبعه بعد ذلك العديد من الهبات والأعمال الخيرية لسكان القرية الذين يكنون حتى اليوم الكثير من التقدير لرجل الأعمال هذا الذي اهتم برفاههم وتوفير الخدمات لقريتهم.