0%
English
نبذة +

1970

1980

تعزيز الأواصر

تزدهر المجتمعات عندما تتحد الأمة الجديدة

كان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة إيذاناً ببزوغ فجر عهد جديد من الازدهار والنمو. وبينما كان هذا النجاح حافزاً كبيراً لعبد االله، إلا أنه لم يثنه عن الشعور بالمسؤولية تجاه أبناء وطنه. مسترشداً بإيمانه، واصل عبد الله العطاء بسخاء ودعم المجتمعات المحلية – وفي الوقت ذاته بدأ في القيام باستثمارات اجتماعية مؤثرة من شأنها أن تعود بالفائدة على الأجيال المقبلة.

"التعليم في رأيي، هو عامل التمكين الحقيقي للشباب العربي والعمود الفقري لتنميتهم الاجتماعية والاقتصادية."

عبد الله الغرير

بعد الانسحاب البريطاني في الثاني من ديسمبر عام 1971 مما كان يُعرف آنذاك بإمارات الساحل المتصالح، اجتمعت دبي وست إمارات مجاورة لإعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وكدولة متحدة ذات سيادة، خطت الإمارات العربية المتحدة أولى خطواتها فيما تحوّل في وقت قصير إلى مسيرة نمو هائل.

وفي دبي، لعبت عائلة الغرير دوراً بارزاً في دفع عجلة التنمية السريعة في الإمارة من خلال الاستثمار في البنى التحتية والمشاريع الطموحة، حيث أسست العديد من الأعمال التجارية الأولى في الإمارة. وكانت شركة الأسمنت الوطنية أولى مشاريع العائلة، تلتها مطاحن الدقيق الوطنية، وشركة الغرير للطباعة والنشر، ومسافي، وهو مصنع لتعبئة مياه الينابيع. وكان عبد العزيز، نجل عبد الله الغرير، مراهقاً آنذاك يراقب عن كثب أنشطة والده التجارية ويستمد الإلهام من فطنته وبراعته في عالم الأعمال. وعن ذلك يقول عبد العزيز: "سواء كنا نتحدث عن مطاحن الدقيق أو المطبعة أو مصنع الأسمنت، فقد كانت جميع أعمال والدي التجارية ذات صلة بالأوقات التي تم إنشاؤها فيها وكانت تتميز بالاستدامة". لكن لم يمض وقت طويل حتى أصبحت أعمال عبد الله الخيرية جهوداً تركت التأثير الأكبر على أبنائه وعلى المنطقة بأسرها.

شهدت دبي في السبعينيات نمواً كبيراً صاحبه تطور سريع لأفقها المعماري. الصورة: الأرشيف والمكتبة الوطنية الإماراتية.

توحيد الإمارات

تشكيل الاتحاد

تأسست الإمارات العربية المتحدة كدولة عام 1971. قبل ذلك، كانت أراضيها تُعرف باسم إمارات الساحل المتصالح، وهي مجموعة من ست مشيخات (دبي وأبوظبي وعجمان والفجيرة والشارقة وأم القيوين) وقّع حكامها قبل قرن من الزمن سلسلة من معاهدات الحماية مع الحكومة البريطانية. وفي عام 1971، انسحب البريطانيون وتم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وبعد عام، أصبحت رأس الخيمة الإمارة السابعة والأخيرة التي تنضم إلى الاتحاد الذي يشكل الإمارات الحديثة اليوم.

يتذكر الأشخاص الذين تعاملوا مع عبد الله أو عملوا معه مباشرة آنذاك كيف ظل متواضعاً على الرغم من نجاحاته وطموحاته الكبيرة، مبرهناً على سمو قيمه الأخلاقية التي سعى أيضاً إلى غرسها في نفوس أبنائه. ويتذكر الأصدقاء كيف بذل عبد الله قصارى جهده كي يتحلى أبناؤه دائماً بالتواضع ويظلوا قريبين من الناس - فكان عندما يأخذهم في إجازة يجعلهم يسافرون في الدرجة الاقتصادية بدلاً من درجة رجال الأعمال – وبذل جهوداً كبيرة لترسيخ قيم الكرم وحُسن الضيافة لديهم تجاه الجميع. وكان أبناء عبد الله يراقبونه عن كثب وهو يدعو زملاءه وعائلاتهم إلى مجلسه لتناول العشاء، فكان يعرفهم جميعاً بأسمائهم ويُشعر كل من يقابله بأنه شخص مهم ويستحق الاحترام والتقدير.

لكن الأهم من كل ذلك أن عبد الله كان كريماً مع الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة لعطائه. تتحدث عواطف خميس المحرزي، المسؤولة الإدارية في مصنع مسافي الذي افتتحته العائلة عام 1977 عن ذكرياتها، فتقول: "كان الوالد عبد الله يهتم بالعائلات الفقيرة التي تعيش هنا، كالأرامل والأسر الفقيرة التي لديها العديد من الأطفال، وكان يقدم لها جميع احتياجاتها. وكان يقوم بذلك سراً للحفاظ على كرامتهم". وتضيف عواطف بالقول: "كان الوالد عبدالله يزور الشركة [كثيراً]. أتذكر جيداً كيف كان يحدثني ويجعلني أشعر بأنني ابنته. لم يُشعرني أبداً بأنني موظفة في شركته، فخلال زياراته للشركة لم يكن يسألني قط عن العمل بل كان دوماً يسألني عن صحتي وما إذا كنت مرتاحة في العمل. لقد كان يحنو علينا كثيراً ويحضر لنا البيض والشعير وغيرهما من الأطعمة المغذية".

 ولدى نجل عبد الله الأكبر، عبد العزيز الغرير، ذكريات محفورة بداخله عن كرم والده الكبير والصادق. ويتذكر عبد العزيز بدايات انخراطه في العمل الخيري، فيقول: "أذكر أنني عندما كنت صغيراً، في عمر الثامنة، كان والدي يصطحبني معه لتوزيع الزكاة. كنا ننتقل من بيت إلى بيت ونلتقي بالأسر المحتاجة والمستحقة لهذه الزكاة. لقد بدأت بالعمل الخيري منذ تلك السنين [المبكرة من عمري]. كنت صغيراً حينها ولا أعرف [ما الذي كنت أقوم به بالضبط] لكن في ذلك الوقت بدأ العمل الخيري يترسخ في ذهني".

مبنى ثاني قيد الإنشاء تابع لمصنع مياه مسافي . الصورة: مسافي.

لكن على الرغم من الحجم الكبير للعطاء الذي كان يقدمه عبد الله، إلا أن عمله لم يكن يحاط بضجة تذكر. فرجل الإعمال كان يتجنب دائماً الأضواء عندما يتعلق الأمر بأعماله الخيرية. وكما كان إيمانه مصدر إلهامه في العطاء، كان هو أيضاً ما غرس بداخله أن شماله لا يجب أن تعلم ما تُنفق يمينه. ويقول عبد العزيز أنه اكتشف وإخوته بالصدفة وبعد سنوات عديدة عدد المدارس التي موّلها والدهم مؤكداً أن العطاء في الخفاء كان أحد المبادئ الأساسية لأعمال عبد الله الخيرية.

مع ذلك، وعلى الرغم من الطبيعة السرية لعطاء عبد الله إلا أن الأثر الذي أحدثه في دولة الإمارات العربية المتحدة كان مدوياً. وعن ذلك، يقول حميد القطامي، وزير التربية والتعليم السابق ورئيس مجلس إدارة بنك دبي التجاري: "إنه بمثابة الأب بالنسبة لي والعديد من الأشخاص غيري ...  فهو يتحلى بمبادئ سامية ويقوم بفعل الخير للجميع، ليس من أجل الإمارات فحسب بل من أجل العالم العربي برمته. لقد استفادت العديد من الشخصيات العامة المرموقة من الأموال التي تبرع بها عبد الله".

ذكريات

موظفو مصنع مسافي يعبرون عن امتنانهم لعبد الله الغرير

تعمل خديجة علي (يسار) وعواطف خميس المحرزي (الصورة في الأعلى) في مصنع مياه مسافي الذي تملكه عائلة الغرير. والموظفتان من سكان مسافي ولديهما ذكريات جميلة عن زيارات عبد الله الغرير للقرية والدعم الذي قدمته الأسرة للسكان المحليين هناك.

وتتذكر عواطف، البالغة من العمر 36 عاماً، وهي مسؤولة إدارية تعمل في الشركة منذ 16 عاماً، تلك الأيام فتقول: "قابلت الوالد عبد الله في بداية عملي هنا ... عندما كنت طفلة صغيرة، كان الوالد عبد الله يزورنا في بيتنا لأنه كان صديقاً مقرباً لوالدي، حتى أننا اطلقنا اسم ماجد على أخي تيمماً باسم أخيه".

أما خديجة البالغة من العمر 30 عاماً، فتعمل في قسم الموارد البشرية التابع للشركة منذ نحو ست سنوات حظيت خلالها بقدر كبير من التقدير والدعم. وتتذكر خديجة كيف كان عبد الله يوزع المساعدات الغذائية في القرية خلال شهر رمضان المبارك فتقول: "في رمضان كانت شاحنة تأتي لتوزع المير الرمضاني مثل الأرز والسكر والتمر والزيت والطحين على جميع المنازل في منطقتنا".

تشارك عواطف خميس المحرزي وخديجة علي، الموظفتان في مصنع مياه مسافي الذي تملكه عائلة الغرير، ذكرياتهما الجميلة عن عبد الله.