0%
English
نبذة +

1930

1950

فرار قسري

سعاد الحسيني تولد في مدينة القدس المنقسمة وسط تزايد العنف والتوتر

عاشت سعاد بنت إبراهيم الحسيني طفولة قلقة وسط مشاهد مضطربة تتصاعد حدّتها في مدينة القدس. وقد غرس إجبار سعاد وعائلتها على الفرار من العنف في نفسها رغبةً رافقتها مدى الحياة في مد يد العون لكلِّ من يعانون ظروفاً مماثلة.

"بين ليّلةٍ وضحاها، أصبحنا لاجئين نعيش في المنفى. كل وكل ما كان بحوزتنا بعض الممتلكات الشخصية، ومستوى والديّ التعليمي، وسمعتنا الطيبة بين الناس وإرادةٌ صلبة للبقاء على قيد الحياة."

سعاد الجفالي

في حين كان أحمد محظوظاً لأنه ولد في الحقبة التي أخذت فيها المملكة تستقر وتبدأ عصر التنمية، كانت الفترة التي نشأت خلالها زوجته المستقبلية على العكس من ذلك تماماً.

ولدت سعاد بنت إبراهيم الحسيني في مدينة القدس عام 1933 في وقت كانت فيه المدينة لا تزال جزءاً من فلسطين الخاضعة للإدارة البريطانية. وقد امتازت هذه الفترة بتصاعد التوترات بين الجاليات اليهودية والسكان العرب في حين أثارت الثورة الكبرى عام 1936 أعمال شغب وإطلاق نار وتفجيرات.

وعلى الرغم من أن الصراع الذي أحاط بسعاد خلال طفولتها جعلها تشعر دائماً بالقلق، لكنّه رسّخ في نفسها تعاطفاً مع الأشخاص الأقل حظاً منها.

وتستدعي سعاد بعضاً من ذكرياتها، خلال خطاب ألقته عام 2017 على منبر الجامعة الأمريكية بالقاهرة فتقول: "كانت عائلة والدي ناشطة سياسياً ونتيجة لذلك تعرضت للاضطهاد من قبل سلطات الاحتلال ... تم القبض على والدتي أيضاً، لمجرد كونها ألمانية تعيش في فلسطين. وأتذكر أنني قمت برحلة طويلة مع والدي وأخي الصغير إلى سجن مدينة بيت لحم، ولاحقاً كنا نزور والدتي في معسكر اعتقال ’سارونا‘، الواقع بالقرب من مدينة يافا، في نهاية كل أسبوع خلال سنوات أسرها الطويلة والتي استمرّت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ليس بوسعي أن أنسى إطلاقاً ما مرَّ في طفولتي من الألم والمشقة التي تكبّدتها عائلتي".

جنود بريطانيون في فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي. الصورة أعلاه: عرب يغادرون فلسطين بالقوارب متجهين إلى لبنان في 30 أبريل 1948. الصورتان: المي.

بعد إطلاق سراح والدتها، هربت أسرة سعاد إلى لبنان عام 1948، وانضمت إلى آلاف اللاجئين الآخرين المذعورين الذين تكدّسوا فوق بعضهم لشدة الازدحام في القوارب. ووسط كل هذا القلق، ترافق ذكريات الخوف وترقب حدوث الشر في أي لحظة سعاد طوال حياتها – وتشكِّل نبع الإلهام لعملها الخيري في المستقبل.

"أُرغمت عائلتي على الفرار من فلسطين وسلك والداي طريق بيروت ليصلوها عن طريق البحر. ستبقى الذكرى المؤلمة لهذا النزوح محفورة في وجداني إلى الأبد. لقد حشرونا في قوارب صغيرة نقلتنا إلى سفينة ترسو خارج ميناء يافا القديم".

كان القارب مكتظّاً باللاجئين وبما استطاعوا حمله معهم من ممتلكاتهم. لكن السلطات استمرت في السماح للمزيد والمزيد من الأشخاص بالصعود على متنه. كان الارتباك في كل مكان. وبدا هذا الجو بكل ما فيه مليئاً بالمغامرة والإثارة بالنسبة لنا نحن الأطفال، لكن سرعان ما شعرنا بالفراغ والحزن يملآن قلوب جميع من كانوا على متن السفينة".

"وكان وصولنا إلى ميناء بيروت مأساوياً للغاية. نزل آلاف اللاجئين من المركب من دون وثائق مناسبة أو جوازات سفر أو تصاريح دخول إلى لبنان؛ نحن الذين كنّا قبل قليل مواطنين في بلدنا الذي لم يعد موجوداً منذ الآن بالنسبة لنا. كنّا عائلات لا تمتلك مالاً لسد رمقها، وكنا من ناحية أخرى أشخاصاً ليس لدينا أي أملٍ في مستقبل نتطلع إليه. لقد كان التكيُّف مع بيئة جديدة صعباً جداً، وكان على والديَّ أن يكافحا لنبقى على قيد الحياة".

"بين ليّلةٍ وضحاها، أصبحنا لاجئين نعيش في المنفى. كانت تتملّك والديَ، وخصوصاً أبي، آمال كبيرة في العودة إلى فلسطين. لكن صعوبات وضعنا السياسي والمالي أخذت بالتفاقم يوماً بعد آخر".
"وكل ما كان بحوزتنا هو ما حملناه معنا بشق الأنفس في هذه الرحلة المريرة والمحفوفة بالمخاطر، وبعض الممتلكات الشخصية، ومستوى والديّ التعليمي، وسمعتنا الطيبة بين الناس وإرادةٌ صلبة للبقاء على قيد الحياة".