0%
English
نبذة +

2000

2020

جيل العطاء القادم

جيل جديد من عائلة الجفالي يواصل إرث أحمد في الإيثار والعطاء

لم تؤثّر وفاة الشيخ أحمد الجفالي، على مسيرة العطاء التي واصلتها الأسرة بالعمل الرائد والدؤوب والذي يرتكز على تعميق الأثر الذي يميّز مؤسسة الشيخ أحمد الجفالي الخيرية. وهذا دليل على رؤية الأسرة البعيدة المدى بالإضافة إلى عزم الأمومة الذي لا يلين للسيدة سعاد، التي غرست إرثاً أصيلاً من الإيثار ويتواصل في الأجيال اللاحقة من أبناء وأحفاد عائلة الجفالي.

"والدي هو من علمنا مبدأ العطاء. كانت بدايتنا المتواضعة حين اعتدنا على مرافقته إلى المناطق النائية جدًا لزيارة الناس المحتاجين. منذ ذلك الحين، تعّلمنا الكثير على درب العطاء، ونأمل أن نستمر في السير على خطاه."

خالد الجفالي

بعد مضي أكثر من 80 عاماً على تأسيس مجموعة الجفالي على يد أحمد وشقيقيه، تواصل المجموعة لعب دور أساسي في قلب الاقتصاد السعودي المزدهر.

ويمكن للمجموعة المزدهرة أن تعزو نجاحها إلى الاستراتيجية التي وضع تصورها أحمد وإخوته طوال السنوات الماضية. ومع السعي لتوسيع الأسواق من خلال الشراكات المتعددة الجنسيات (بما في ذلك إقامة شراكات مع شركات عالمية مثل آي بي إم، وسيمنز، وإيريكسون، ومرسيدس، وميشلين)، ومع كل هذا الحجم من الأعمال، لم ينس الإخوة إعطاء الأولوية لتدريب وتطوير شباب المملكة.

ويتبع رئيس مجلس إدارة الشركة خالد الجفالي اليوم بأمانة الاستراتيجية التي وضعها والده وأعمامه. ولم يرث خالد من أبيه ذهناً للأعمال فقط، بل هو مثل والديه بالضبط، يمتلك الحماس والشغف للقضايا الإنسانية وسبل النهوض بالمجتمع الأوسع.

وعلى خطى والديه، أطلق خالد وزوجته أُلفت في عام 2013 صندوق الشفاء، وهو أول تجمع تعاوني للمانحين في منطقة الشرق الأوسط. وتعبِّر أُلفت عن رأيها بالعطاء في مقابلة معها قائلة: "العطاء أمرٌ بغاية السهولة، لكنّ العطاء الذي يأتي في مكانه هو فن بحد ذاته".

ويعتبر نهج الصندوق في تجميع الأموال من جهات مانحة متعددة جزءاً لا يتجزأ من طموحاته. ويوضح خالد هذه الفكرة فيقول: "يمكن أن يمثّل العمل الخيري [الفردي] قطرة في محيط العطاء. لقد ابتكرنا فكرة الصندوق التكافلي لأننا نود زيادة تأثيرنا. وينبع إيماننا بذلك من المبدأ: "لا تستسلم وحدك". فلطالما شعرت أن التعاون مع الأشخاص المناسبين يمنحك نتيجة أفضل من القيام بالجهود بمفردك. وفي هذه الحالة، أعتقد حقاً أن النتيجة كانت أفضل. ويضيف: "يد واحدة لا تصفِّق، فأنت بحاجة إلى اثنتين".

قام خالد الجفالي وزوجته ألفت بتأسيس صندوق الشفاء في عام 2013 بهدف تمويل مجموعة من الشركاء من أجل الوقاية من الأمراض في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط. الصورة: تم تزويدها.

يتبنى صندوق الشفاء نهجاً ريادياً في العمل الخيري العربي، فهو أول صندوق تعاوني للمانحين في الشرق الأوسط يهدف إلى تعزيز التعاون بين المحسنين في المنطقة ومؤسسة بيل وميليندا غيتس.

تم إطلاق الصندوق عام 2013 بعد محادثة جمعت بين خالد وألفت الجفالي وبيل غيتس. وقام خالد وألفت بعدها بوضع رؤية للصندوق وهما يضطلعان منذ ذلك الحين بتشجيع التعاون بين رواد العطاء الذين يتشاركون في الفكر والطموح بتحسين حياة الأشخاص الأكثر حاجة إلى المساعدة. ويُدار الصندوق حالياً كصندوق موصى به من قبل المانحين (DAF).

ويهدف صندوق الشفاء إلى إنجاز تقدم ملحوظ على صعيد الشؤون الصحية المهملة في المنطقة. وعلى الرغم من أن غالبية التمويل المخصص للتصدي للأمراض المدارية المهملة يأتي عن طريق المنظمات الدولية والحكومات المحلية، إلّا أنه لا تزال هناك ثغرة في التمويل تبلغ قيمتها بين 200 و300 مليون دولار، وهي ما يسعى صندوق الشفاء إلى سدها.

وحول ذلك تقول ألفت الجفالي: "أردنا أن نركز على المشاكل الصحية مثل شلل الأطفال والأمراض المدارية المهملة لأنها لا تلقى العناية الكافية [في المنطقة]".

ويتخذ صندوق الشفاء نهجاً على مستوى استراتيجي عالي في عملية تقديم المنح. فهو يختار مواقع الاستثمار حيث يمكنه إحداث أثر كبير، ثم يقوم بعناية بتحديد ما سيكون عليه شكل النجاح، وكيفية تحقيقه. وتعد قيمة المنح التي يقدمها الصندوق مهمة، إذ يزيد متوسطها عن المليون دولار لمدة أربع سنوات ـ أي ما يكفي لظهور النتائج.

ومن خلال تجميع الأموال من جهات مانحة مختلفة فإن الصندوق يحقق أثراً مضاعفاً، إذ يقدم المانحون المشاركون فيه مساهمة لا تقل عن 250,000 دولار لفترة محددة، عادة ما تكون عامين. ولا يجعل هذا النهج المبلغ الإجمالي المستثمر أكبر فقط، ولكنه يمنح المانحين الفرصة للتعلم من بعضهم البعض والاستفادة من الخبرات المشتركة، عوضاً عن أن يعمل كل واحد منهم لوحده في تخصيص وتوجيه وإدارة الاستثمارات الخيرية الخاصة به، ما قد يؤدي إلى الازدواجية وعدم الكفاءة.

وقد شارك في صندوق الشفاء منذ إطلاقه في عام 2013 أكثر من 20 مانحاً بينما قام بتجميع وتوزيع ما يزيد عن 14 مليون دولار. وقد أدت استثماراته في مكافحة الأمراض مثل التهاب السحايا (أ) وداء النوم والكوليرا ووباء كوفيد-19 وتقديم الرعاية للنساء والأطفال وتوفير الإغاثة الطارئة التي تشتد الحاجة إليها في مناطق الصراع إلى إنقاذ أو تحسين حياة أكثر من 16 مليون شخص في 17 دولة.

صندوق الشفاء هو أول صندوق تعاوني في المنطقة. يعمل صندوق الشفاء مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس لتحديد ودعم البرامج عالية التأثير التي تهدف إلى النهوض بصحة الأطفال والأسر والمجتمعات في الشرق الأوسط وخارجه. الصورة: صندوق الشفاء.

يتعاون صندوق الشفاء مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس لتحديد ودعم البرامج العالية التأثير التي تهدف إلى تحسين صحة الأطفال والأسر والمجتمعات في الشرق الأوسط وخارجه. ومن خلال تعزيز التعاون بين رواد العطاء، دعم صندوق الشفاء البرامج التي أثّرت بشكل إيجابي على أكثر من 16 مليون شخص حتى الآن.

وبالنسبة لخالد وأُلفت، تمثل فكرة الصندوق مسعىً عائلياً حقاً، حيث تشاركهما ابنتاهما دانا وهيا أيضاً في العمل عليه. وتشرح هيا ما يقومون به فتقول: "نريد أن نساعد صندوق الشفاء لتبقى أفكاره مبتكرة وتلبي احتياجات المحرومين". من طرفها تضيف دانا - وهي أيضاً عضو مجلس الإدارة بالقول: "يحدث التأثير من خلال التوسع والتعاون والشراكات التي يقيمها الصندوق. لقد أنقذ صندوق الشفاء العديد من الأرواح، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد إمكانات لتحقيق المزيد من النمو".

ومن الواضح أن طبيعة أحمد وسعاد في الإيثار والعطاء هي عدوى حميدة، فالجيل الذي خَلَفهم، أي خالد وعائلته ليسوا الوحيدين في عائلة الجفالي الذين حذوا حذوَ أسلافهم. فقبل وفاته في عام 2006، تبرّع طارق الجفالي بملايين الدولارات للجمعيات الخيرية التي يحب. وتخليداً لذكرى إرثه الخيري، أنشأت أسرته مؤسسة طارق أحمد الجفالي، التي تساعد الأفراد والمنظمات في تقديم المساعدات مثل الطعام والسكن والرعاية الصحية والتعليم. ومن بين جهودها المختلفة، أنشأت المؤسسة عيادات متنقلة للطوارئ في الضفة الغربية لتقديم الخدمات الطبية الأساسية للمجتمعات الفلسطينية المحرومة والنائية.

وفي عام 2013، أنشأت العائلة أيضاً كرسي طارق أحمد الجفالي لأبحاث بيئة البحر الأحمر في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. واستوحيت الفكرة من شغف طارق بعلم المحيطات، وتم تكريس هذا المنصب لفهم دور الحياة البحرية في عمل المحيط الحيوي الحالي والمستقبلي مع التركيز بشكل خاص على النظم البيئية البحرية في البحر الأحمر، وبيئة الأنواع الحيوية الأساسية، واستجابة الكائنات الحية البحرية للعوامل البيئية والضغوط البشرية.

ومن أبناء عائلة الجفالي، هناك أيضاً الدكتور وليد، الابن الأكبر، الذي - بالإضافة إلى توليه إدارة مجموعة الجفالي حتى وفاته في عام 2016 - كان لديه اهتمام خاص بنظرية الدماغ والأعصاب. فقام بتوجيه الكثير من جهوده الخيرية نحو هذا المجال، وفي عام 2013، أنشأ منتدى الدماغ والأعصاب. وتمثل هدفه في إنشاء منصّة من شأنها تعزيز التقدم في أبحاث الدماغ والأعصاب من خلال تيسير التعاون العالمي والمبادرات التي لديها القدرة على تحسين حياة الناس.

وأوضح د. وليد - رحمه الله - عقب إطلاق المنتدى أن "الاستكشاف العلمي للدماغ البشري هو أداة أساسية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين". وأضاف أن "تجميع اكتشافات أحدث أبحاث الدماغ أمر ضروري للجميع لأنه يؤثر بشكل مباشر على مستقبل المجتمع".

سعاد ومها ودانية: ثلاثة أجيال من نساء عائلة الجفالي اللواتي كرسن أنفسها لمركز العون. الصورة: ڤوغ العربية.

مها الجفالي، الابنة الوحيدة لأحمد وسعاد، هي جزء من ثلاثة أجيال من نساء الجفالي اللواتي يُدِرن ’مركز العون‘. وبصفتها مديرة المركز، لا تكتفي مها بأن تبني عملها في العطاء على إرث الأسرة فحسب، بل تنقله أيضاً إلى الجيل القادم. فابنتها دانية، أخصائية علم النفس المؤهلة والمتخصصة في الإعاقة الذهنية، هي مديرة أقسام العلاج في المركز.

وتستذكر مها كيف ألهمت تجارب الطفولة التي عاشتها رفقة والدتها بأن تسلك طريق العطاء فتقول: "منذ أن كنت صغيرة، غُرست أهمية العمل الخيري في داخلي من خلال مرافقة والدتي في الأنشطة الخيرية. ثم تطوعت للعمل مع طفلين مصابين بإعاقة ذهنية".

"ما تعلّمته وورثته من أمي وأبي، كان عليَّ أن أعلمه وأورثه لابنتي. لذلك تعلمت من والدتي بأن أصطحب ابنتي معي [إلى مركز العون]. كانت تأتي معي وتبقى برفقة الأطفال. لم تكن تعي ما يدور حولها ولا تعرف الكثير عنهم. لكن، كما تعلمون، يتم غرس هذه القيم في داخلك وأنت طفل صغير".

وتؤكد دانية أن هذه التجارب حققت التأثير المطلوب قائلة لجمهور منتدى مسك في عام 2022: "لدي ذكريات جميلة جداً عن الذهاب إلى مركز العون ... وعلى غرار جدتي، كان أطفال المركز أصدقائي. ولم أر أي فرق بيننا. فنادراً ما يستطيع الأطفال أن يميّزوا الفرق الذهني بينهم وبين أصدقائهم من الأطفال الآخرين من ذوي الإعاقة الذهنية. لذلك بدأت رحلتي في العطاء عندما كنت بعمر عام، حين كنت أذهب لزيارات المركز مع والدتي".

وتضيف: "أعتقد أن العمل الخيري جزء أصيلٌ مني. لطالما كانت فكرتي حول الانخراط في العمل تدور حول العطاء، وبطبيعة الحال، أعتقد أن ذلك جاء منهما. لذا أخذ مسار حياتي هذا الاتجاه. كما أنني درست علم النفس، وتخصصت في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة الشديدة لأن شغفي كان دائماً العمل مع الأطفال. وهكذا حققت ما كنت أسعى إليه في حياتي".

وتوضح دانية أن لكل فرد من أفراد العائلة أشياء قيمة يمكنه المساهمة بها، إذ تقول: "كلنا نكمل بعضنا البعض ونقدم مهارات ومعارف جديدة إلى المركز. فعلى سبيل المثال، بدأت جدتي بعلم النفس البحت، وقدّمت أمي فرصة التعليم المبكر للأطفال وأنا بدوري أدخلت التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة الشديدة".

وتضيف قائلة: "أقدم الرعاية للعائلات والأطفال مباشرة. كنت مصرة جداً على ألا يعرفني أحدٌ من أهالي الأطفال بأنني ابنة مها الجفالي حتى أتمكن من إثبات أنني هنا من تلقاء نفسي ليس لأنني ابنة رئيسة المركز فقط. وبالفعل أنا محظوظة لأن لدي عائلة تحترم عملي وتسمح لي بالتعبير عن نفسي كما أحب".

أما سعاد، فتقول أن العمل مع ابنتها وحفيدتها نعمة من الله، وتضيف: "أعتقد أنه مزيج جميل من التواصل العائلي والجدية والحب والاحترام. كان إنشاء المركز نابعاً من حبنا للعطاء، كأب وأم، ولا يزال روح العطاء مستمراً في عملي مع ابنتي وحفيدتي".

منتدى الدماغ والأعصاب

مبادرة أسسها الدكتور وليد الجفالي رحمه الله.

أسّس الدكتور وليد الجفالي، رحمه الله، وهو أيضاً رجل أعمال وعالِم ورائد عطاء، منتدى الدماغ والأعصاب كجزء من مبادرة ’دبليو ساينس‘ W Science.

كانت رؤية الدكتور وليد هي إنشاء منصة تجمع بين الخبراء والقادة من الأوساط الأكاديمية ومجالي الصناعة والسياسة لتبادل الأفكار، وتقديم أبحاث متطوّرة، وتطوير حلول لبعض أكثر القضايا إلحاحاً في علم الأعصاب.

وتعزيزاً منه للنقاش والتعاون، أعرب الدكتور وليد عن أمله في أن تساهم المبادرة في تقدّم أبحاث الدماغ وتشجيع التعاون العالمي والمبادرات مع إمكانية تحسين الحياة.

وقد عُقِد المؤتمر الدولي الأول في عام 2013، تلاه المؤتمر الثاني في عام 2015 بمشاركة أكثر من 1,000 مشارك من 27 دولة مختلفة. وبعد ذلك، أصبح المؤتمر حدثاً سنوياً مقره سويسرا ويعقد أيضاً في أماكن أخرى حول العالم.

وخلال جائحة كوفيد-19، عُقِد منتدى الدماغ والأعصاب 2020 بالكامل عبر الإنترنت لأول مرّة على الإطلاق وذلك ضمن فعاليات المنتدى الافتراضي لاتّحاد جمعيات علم الأعصاب الأوروبية FENS 2000 واجتذب آلاف الوفود من 33 دولة.